في أيام المدارس المكونة من غرفة واحدة، لم تكن هناك معايير، فقد اخترع المعلمون المنهج الدراسي، وبحلول القرن العشرين طلب من المعلمين اتباع أدلة المناهج الدراسية، وفيما راحوا يعملون بلا كلل ويدرسون من أجل هدف واحد فقط وهو ضمان نجاح كل طالب، غالبًا ما كان المعلمون يضعون الأدلة ضعيفة الاستخدام في أدراج مكاتبهم السفلية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت دراسات عديدة قامت بإجرائها منظمات، مثل: الاتحاد الأمريكي للإدارة، والرابطة القومية لمجالس المدارس، والاتحاد القومي للتعليم، ومجموعة ما كجرو هيل البحثية، والرابطة القومية للمحافظين، وخدمة الاختبارات الجامعية الأمريكية، والشراكة من أجل مهارات القرن الحادي والعشرين، ومجلس مسؤولي المدارس بالولايات الأمريكية - تنادي بوضع مناهج دراسية وإجراء إصلاحات تدريسية أكثر صراحة وملامعة وتوجها نحو النتائج من شأنها أن تعيد العناصر الأربعة البدالة بحرف (C) - وهي التفكير النقدي Critical thinking والحل الإبداعي للمشكلات Creative Problem Solving والتعاون Collaboration والاتصال Communication - إلى التدريس اليومي على سبيل الإرشاد نحو الاستخدام الأمثل للمعايير الجديدة، نقترح أن يبدأ التربويون يطرح أسئلة عميقة منها :
- كيف يرسخ المعلمون مهارات التفكير هذه داخل المناهج الدراسية بحيث يرتفع مستوى التحصيل الدراسي للطالب وتتاح لجميع الطلاب فرصة متكافئة في تنمية وتطوير جودة تفكيرهم وقدرتهم على حل المشكلات ، ليس فقط من اجل الاختبارات بل من اجل تعلم يدوم مدى الحياة
- كيف تساعد المعاير الجديدة المعلمين على ترجمة الأفكار الرئيسية وتوضيح العلاقات والتعرف على وجهة النظر والتحيز؟
- كيف يتأكد المعلمون من عدم العودة إلى التوقع المتدني المتمثل في مطالبة الطلاب بحفظ الحقائق والأرقام حفظ اصم فقط؟( بيلانكا 2016)
تعريف مفهوم مهارات التفكير : فقد تطرق لها ويلسون ( Wilson) على أنها تلك العمليات العقلية التي نقوم بها من أجل جمع المعلومات وحفظها أو تخزينها ، وذلك من خلال إجراءات التحليل والتخطيط والتقييم والوصول إلى استنتاجات وصنع القرارات .
ومن مهارات التفكير : الأصالة ، الطلاقة ، المرونة ، تحمل المسؤولية ، تدوين الملاحظات ، التذكر ، إصدار الأحكام ، التصنيف ، تنمية المفاهيم وتطويرها ، الاستنتاج ، حل المشكلات ، ... وغيرها من المهارات العديدة.
وإذا انتقلنا إلى أنماط التفكير فهي مجموعة من الأداءات التي تميز الفرد وتعتبر دليلاً على كيفية استقباله للخبرات التي يمر بها في مخزونه المعرفي ويستعملها للتكيف مع البيئة المحيطة (Gregorc) . وقد تصل إلى أكثر من 30 نمط و منها ما يلي :
1- التفكير العلمي وهو ذلك النمط الذي يعتمد على الأسلوب العلمي أو وجهات النظر العلمية مثل الواقعية والتربوية
2- التفكير التجريبي الذي يعتمد على التجربة والبيانات المأخوذة من الملاحظة العلمية.
3- التفكير الناقد والذي يعرفه (باير) على أنه "ذلك النوع من التفكير القابل للتقييم بطبيعته والمتضمن للتحليلات الهادفة والدقيقة والمتواصلة لأي ادعاء أو معتقد ومن أي مصدر من أجل الحكم على دقته وصلاحيته وقيمته الحقيقية
ومن أنماط التفكير الأخرى : التفكير المجرد والتحليلي والتركيبي والمادي والمطلق والمنطقي والفلسفي والابداعي والتشعيبي والاستنتاجي والاستقرائي والتأملي ، ...وغيره. ( سعادة 2006)
اما تفكير التفكير : هو إعمال العقل وترتيب المعلوم للوصول إلى المجهول. فهو فعل عقلي وعملية معرفية تكتسب من خلالها المعرفة مع توظيف القبليات المعرفية للفرد
فالتفكير نشاط يقوم به العقل من أجل تحليل الأفكار وتفسيرها وتقويمها والحكم عليها وإنشاء الأفكار الجديدة وحل المشكلات، فهو عملية مستمرة في الذهن إذا كان الإنسان في حالة يقظة من أجل الحصول على حلول دائمة أو مؤقتة للمشكلات التي تواجهه في حياته. إن تعريف التفكير هو في حد ذاته تفكير في التفكير باستخدام القبليات المعرفية من أجل الوصول إلى المعرفة. فالإنسان يفكر باستخدام المدخلات التي هي القبليات المعرفية التي لديه، وعملية التفكير هي العمليات، والوصول إلى التعريف أو المعرفة أو حل المشكلة أو المشكلات هو المخرجات. فالتفكير نشاط عقلي يقوم به الدماغ من أجل توليد الأفكار أو النظريات الجديدة أو حل المشكلات. وقد يكون التفكير عن طريق مثير خارجي من خلال الحواس الخمس، أو داخليًا من خلال الأفكار أو الإشكاليات الذهنية التي تطرأ على ذهن الإنسان. ( مدكور 2016)
من أنماط التفكير التفكير العلمي هو عملية عقلية منهجية منظمة يتم بموجبها توليد الأفكار والنظريات واتخاذ القرارات وحل المشكلات. ومن أهم أنماط التفكير العلمي:
التفكير الابتكاري، والتفكير الخطي، والتفكير المنظومي .
ولكل منها أساليب ومهارات ومن أهم أساليب التفكير الابتكاري ما يلي:
- التفكير المادي: وهو الذي يتعامل مع الأمور المادية التي تلقيها الحواس إلى المخ انطلاقًا من العالم المادي الواقعي المحيط بنا، وصولًا إلى حل المشكلة الواقعية أو المادية.
- والتفكير المجرد: هو نشاط عقلي يقوم به المخ انطلاقًا من أفكار ومفاهيم تبدو أشتاتًا وتفاريق، وصولاً إلى إدراك العلاقات والارتباطات والأفكار الكلية التي تجمع بينها. ومن خلال هذه العملية تتوالد الأفكار والنظريات والسيناريوهات الجديدة لحل مشكلات الحاضر ورسم معالم المستقبل. ويطلق عليه التفكير الإبداعي؛ حيث تتضافر العوامل الذاتية مع العوامل الموضوعية من أجل الوصول إلى شيء جديد وأصيل وذي قيمة باقية في حياة الفرد والجماعة الإنسانية محلية أو عالمية والتفكير الإبداعي قد يستخدم الأسلوب التحليلي؛ وهو الذي يقوم فيه الإنسان بتجزئة الموضوع إلى عناصره الفرعية أو الثانوية لإدراك ما بينها من علاقات و ارتباطات مما يساعد على فهم بنيتها والعمل على إعادة تنظيمها على نحو جدي في مرحلة لاحقة.
وقد يستخدم التفكير الإبداعي الأسلوب التركيبي البنائي، الذي يقو على إعادة تركيب أجزاء الموضوع أو المادة مع بعضها في كل واحد، أو مضمون جديد، بعد إدراك العلاقات والارتباطات فيما بير بعضها وبعض، وفيما بينها وبين الكل أو المضمون الجديد.
وقد يستخدم التفكير الإبداعي الأسلوب التجريبي في التفكير، وهـو الأسلوب الذي يعتمد على الملاحظة والتجربة على بعض أجزا المادة أو كلها.
وتعتمد موضوعية هذا الأسلوب على مدى الدقة في تحديد المتغيرات المستقلة والمتغيرات التابعة أما التفكير النقدي، فهو أسلوب يعتمد على التحليل والتفسير والتركيب وبيان أوجه القوة ونواحي الضعف في أي نص أو ادعاء أو معتقد أو توجه أو برنامج بهدف الوصول إلى الحكم عليه واتخاذ قرار بشأنه، قبولا أو رفضا تطويرا أو تحسينا.
وقد يعتمد عليه التفكير الابتكاري كوسيلة وكطريق للوصول إلى الإبداع.
- والتفكير الاستقرائي هو عملية استدلال عقلي تستهدف الوصول إلى القواعد والقوانين الكلية من خلال استقراء جزئيات الموضوع أو النظام. وقد يكون وسيلة لإيجاد حلول جديدة لمشكلات قديمة. والتفكير الفعال - عموما - هو الذي يقوم على منهجية علمية سليمة، أحكام مشروعة، ومسلمات متفق عليها، وتحديد دقيق للمشكلات، وافتراضات غير متناقضة، وأحكام غير متسرعة. وهو في التحليل الأخير لا يفترض الشر ء الظن وراء كل سلوك؛ لذلك فهو تفكير منتج ( مدكور 2015)
المعاييرالعالمية للتفكير
ان للمعلم أو المربي دوراً كبيراً في تشكيل الكيان الداخلي للأشخاص المسؤول عن تعليمهم وتدريبهم بحيث يمكنهم من التفكير بفاعلية وتوجه أفضل ، لذا ينبغي على المربي أن يلم بهذه المعايير ليتمكن من تعليمها لهم عن طريق طرح الأسئلة السابرة والمتعمقة بحيث يصبحون مسؤولين عن تفعيل تفكيرهم ، ومن أهم معايير التفكير التي تعتبر عالمية الطابع هي : معيار الوضوح ، الصحة والدقة ، الدقة المتناهية ، العلاقة ، معيار العمق ، الاتساع و معيار المنطقية.
طرق تعلم التفكير
تتمثل الأهداف الرئيسية في تعلم التفكير أولاً في الاستخدام الأفضل والأكثر فاعلية للمعرفة والحقائق المكتسبة لدى المتعلم بحيث يصبح بإمكانه بناء الأفكار والآراء المختلفة والدفاع عنها وفهم العلاقات. أما الهدف الثاني تجعل من المهارات والتعليم الذاتي قائداً للمتعلم ، ولتحقيق هذين الهدفين فإن هناك بعض الطرق لتدريس التفكير يمكن إيجازها فيما ما يلي :
1 – التفكير من خلال نقاط تفكير معينة ، حيث سيؤدي إلى مساعدة المتعلم في تطوير مهارات التفكير وتنظيمها ، قد تظهر هذه النقاط مباشرة في المواضيع المطروحة أو ممكن استغلال الأحداث اليومية المختلفة في اختيارها كنقاط تفكير تساهم في نقاشها والتعمق بها .
2 – طرح أفكار كبيرة ، أيضا يمكن من خلال نقاط تفكير معينة تؤدي إلى وجود مجال للتفكير العميق والتحقق من الأمور بحيث يصبح المتعلم مفكر نشيط ومنظم بشكل دقيق يساعده ذلك على البحث والاستقصاء عن موضوعات أعمق وأكبر في مجالاتهم.
3 – تهيئة جو من الرغبة في التفكير أو تكوين عادات عقلية ، وخلق بيئة تشجع المتعلم على الرغبة في إثارة التفكير وأنماط السلوك المثيرة للتفكير حتى تصبح عملية التفكير عادة تؤدي إلى فهم أعمق للمواضيع المحيطة وبالتالي اتخاذ قرارات أكثر دقة وأقرب للصواب.
4 – ربط ما تمت معرفته بمواقف تعليمية جديدة ، إن التطبيق من خلال الربط أو النقل للمعرفة وتفعيلها للمواقف التعليمية الجديدة تؤدي أيضاً إلى العمق و تعلم المهارات التي ستصقل خبرات المتعلم.
5 – طرح التفكير من خلال عمليات التقييم التي تستند إلى معايير لأنماط الأداء الخاصة بالفهم والتفكير.
عناصر نجاح تعلم التفكير
تتطلت عمية تعلم التفكير عدد من العناصر الهامة هي :
أولاً – المعلم الفعال الذي يتصف بالصفات المناسبة مثل الإيمان بأهمية التفكير في حياة الناس عامة والطلبة خاصة ، الإلمام بمهارات التفكير ، متابعة المستجدات في هذا المجال ، التطبيق الفعال لحث المتعلمين على استخدام مهارات التفكير سواء بطرح الأسئلة والمناقشات والتعبير اللفظي وغيرها.
ثانياً – الرغبة الجادة لدى المتعلم بحيث يتفاعل مع المعرفة ويشارك في المناقشات والتطبيقات للوصول إلى التعمق الناتج عنه الحلول والقرارات والنتائج المستخلصة من عمليات التفكير.
ثالثاً – توفر البيئة المحيطة المناسبة والمشجعة لعملية التفكير وإثارته لدى المتعلم من مناخ تربوي يسوده الأمان وتقبل آراء الآخرين ووجود الفرص للتعبير عن أفكارهم واحترام قرارة الأغلبية ، الوسائل ، المراجع ، تنوع الطرق المتبعة ، الحداثة في الأساليب والوسائل.
رابعاً – أساليب التقويم وإجراءاته المتنوعة والمتمركزة حول ضرورة قياس ما تم تعلمه والتي ستؤدي إلى الانتقال للمرحلة التالية من عملية التفكير أو وضع خطة يتم التمكن من خلالها معرفة أوجه الضعف في العملية وتطويرها.( قطامي 2001)
معوقات تعليم مهارات :
- المناهج والكتب الدراسية المقررة في التعليم العام لا تزال متأثرة بالافتراض السائد الذي مفاده أن عملية تراكم كم هائل من المعلومات والحقائق ضرورية وكافية لتنمية مهارات التفكير لدى الطلبة، وهذا ما ينعكس على حشو عقول الطلاب بالمعلومات والقوانين والنظريات عن طريق التلقين، كما ينعكس في بناء الاختبارات المدرسية والعامة والتدريبات المعرفية الصفية والبيتية التي تثقل الذاكرة ولا تنمي مستويات التفكير العليا من تحليل ونقد و تقويم.
- التفكير قوة متجددة لبقاء الفرد والمجتمع معاً في عالم اليوم والغد. هذا العالم الذي يتميز بتدفق المعلومات وتجددها عالم الاتصالات التي جعل من الأمم المترامية الأطراف قرية صغيرة. وأمام هذا الواقع تبرز أهمية تعلم مهارات التفكير وعملياته التي تبقى صالحة متجددة من حيث فائدتها واستخداماتها في معالجة المعلومات مهما كان نوعها. وعليه فإن تعليم الطالب مهارات التفكير هو بمثابة تزويده بالأدوات التي يحتاجها حتى يتمكن من التعامل بفاعلية مع أي نوع من المعلومات أو المتغيرات التي يأتي بها المستقبل.
- تعليم مهارات التفكير يفيد المعلمين والمدارس معاً: من الملاحظ لما يدور داخل الغرف الصفية في مدارسنا أن دور الطالب في العملية التربوية والتعليمية محدود للغاية وسلبي، ولا يتجاوز عملية التلقي، أو مراقبة المشهد الذي يخطط له. هذا إذا كان قد خطط له فعلاً . وينفذه المعلم بكل تفاصيله، إن الدور الهامشي للطلاب هو إفراز للمناخ الصفي التقليدي المتمركز حول العمل، والذي تتحدد عملية التعلم فيه بممارسات قائمة على الترديد والتكرار والحفظ المجرد من القيم. ( الجبالي 2016)